جمان القرآن متميز
عدد المساهمات : 105 تاريخ التسجيل : 03/10/2011 الموقع : مهبط الوحــي
| موضوع: فتى القرآن (قصة قصيرة) الثلاثاء أكتوبر 04, 2011 7:32 pm | |
| فتى القرآن..... الكاتب : محمد سلطان أحمد نور في عينيه ، ضياء في شفتيه ، وقار في قلبه ، يتلو الآية تلو الآية بصوته العذب الندي ، فتي من فتيان الحي الذي يقطن فيه و لكن ليس أي فتى ، انه فتى من فتيان كتاب الله . نعم انه الفتى عبد الله ، يعيش في ربيع الزهور بسنواته العشر ، يذهب هو و أصحابه إلى المسجد عصرا كل يوم متحمسين لحفظ القرآن الكريم . يحفظهم إمام المسجد الشيخ محمد بعد صلاة العصر إلى ما قبل المغرب . كان عبد الله فتاً ذكيا ، يحفظ من القرآن الكريم عشرة أجزاء ، ويريد أن يحقق حلمه بحفظ كتاب الله . كان أبو عبد الله موظف ذو منصب عالي في وزارة الخارجية ، و الأم متقاعدة من عملها ، و كان عبد الله ابنهم الوحيد فكان حسن التربية و لذلك أشركه والداه في حلقة القرآن في المسجد ، فكان ولدا نجيبا . عند قدوم العطلة الصيفية وضع إمام المسجد الشيخ محمد محفظ القرآن خطة رائعة للحفظ ، فتحمس عبد الله لهذه الخطة التي أعجبته و أعجبت أصحابه في الحي . كانت الخطة بشكل عام هي حفظ خمسة أجزاء خلال شهرين من العطلة الصيفية مع المراجعة الدائمة . مرت الأيام و فتيان القرآن ينجزون ، حتى أقبل ذلك اليوم الحزين لعبد الله و سعيد بالنسبة لأمه و لأبه . في هذا اليوم رجع أبو عبد الله من عمله فرحاً ،وذلك في وقت الظهر حيث كانت أم عبد الله مع ابنها عبد الله مجتمعين على مائدة الطعام ينتظرون الأب لتناول الغذاء ، فاستغرب كلا من ألام و عبد الله من هذه الفرحة الغير معتادة . سألت الأم الأب : ما بك يا أبا عبد الله أراك تطير من الفرحة ؟ فرد عليها الأب بسرعة : لقد تلقيت ترقية في عملي، و عينت سفيرا لدى إحدى الدول العربية . فرحت الأم لزوجها و عبد الله كذلك و باركوا له على الترقية ، ثم قال أبو عبد الله : سأتولى مهام عملي بعد أسبوعين من اليوم فاستعدوا جيدا لأننا سنغيب عن البلاد مدة نصف سنة ثم سنعود لقضاء الإجازة هنا ؟ بعدما سمع عبد الله كلام والده وقف وقد ذهبت ملامح الابتسامة من وجهه ثم قال لأبوه : لكن يا أبي سأنقطع عن حلقة القرآن ؟ فقال الأب وهو متفهم لكلام ابنه : يا بني ، قد تنقطع عن الحلقة لكن لن تنقطع عن كتاب الله فكن دائم المراجعة و التمكين . في اليوم التالي ، أخبر أبو عبد الله الشيخ محمد عن ترقيته و عن غياب ابنه عبد الله عن الحلقة ، فتفهم الشيخ ظروف الأسرة وتمنى لهم السلامة . مر الأسبوعان بسرعة البرق ، قضاها عبد الله مع أصحابه في الحفظ ليستغل الوقت المتبقي قبل الرحيل ،، وها هو وقت الرحيل قد حان ، ففي وقت المغادرة ودع أهالي الحي العائلة متمنين لهم السلامة ، و التقى عبد الله أصحابه و الشيخ محمد الذي جاء إلى عبد الله و قال له : لا تنسى المراجعة يا ولدي ، و لا تنسى أن تختار الصحبة الطيبة . ثم سلم له ورقة وقال : هذه خطة للمراجعة أعددتها بنفسي ، سير عليها أثناء غيابك . فأخذ عبد الله الورقة ثم قبل رأس الشيخ وقال له : سأكون عند حسن ظنك يا أستاذي . هذه هي لحظات الوداع في الحي ، و ها هي أسرة عبد الله وصلت إلى مقر السفارة في الدولة العربية التي أصبح أبوه سفيرا لها ، ،، تعرف أبو عبد الله مع ابنه المبنى ، ثم توجهوا إلى البيت الجديد ((بيت السفير )) . في وقت العشاء اجتمعت العائلة و ناقشوا أمور دراسة عبد الله بعد انقضاء العطلة الصيفية الذي لم يتبقى منها إلى القليل ،،، قال الأب لابنه عبد الله : سنذهب غدا لنرى المدرسة المناسبة لك. ثم سأل عبد الله والده : يا أبي ، هل هناك وقت لكي أراجع حفظي ؟ فقال الأب : يا بني مادمت حريصا على المراجعة و التمكين ، فاحرص كل الحرص على أخذ القرآن معك ، و اجعل لك وقتا بعد صلاة الفجر و صلاة العصر ، وسر على خطة الشيخ محمد ، وإذا أردت الحفظ فاحفظ ، و قد تلقى في مدرستك الجديدة الصحبة الطيبة التي ستعينك على الحفظ بإذن الله . سجل أبو عبد الله ابنه في مدرسة للبنين وكانت المدرسة من المدارس الممتازة . قرر عبد الله قضاء الوقت المتبقي في بدء خطة المراجعة ، فكان يجتمع بعد صلاة الفجر وصلاة العصر في المسجد كما نصحه والده ، وأخذ يسير على هذه الخطة حتى بداية العام الدراسي . مع بداية العام الدراسي ، لم يجد عبد الله الوقت للمراجعة ، فقرر أن يكسب وقته في الاستراحة و يراجع ، ولكن بعد أن ينسجم مع بيئة المدرسة ، لأنه كان أول عام يقضيه عبد الله خارج بلده و أصدقائه ، ،، أحس عبد الله بالغربة لأنه طالب مستجد في هذه المدرسة ، لكن سرعان ما تعرف على اثنين من خيرة الطلاب في المدرسة ، وكان الاثنان في صف عبد الله ، الأول كان يدعى حسام و الثاني اسمه وليد و كان الطالبان من الطلبة الخلوقين ، ويشهد لهم المدرسون بحسن الخلق . تعرفوا على عبد الله و تعرف عليهم ، اخبروه عن بيئة مدرستهم و أخبرهم عن بيئة مدرسته . تعمقت العلاقة بينهم و أخبرهم عبد الله عن مسجد الحي الذي حفظ فيه عشرة أجزاء من القرآن الكريم و عن الشيخ محمد محفظه خلال مسيرته القرآنية . حسام و وليد لم يفصحا عن شيء من حياتهما مع كتاب الله ، فلم يكونوا يحفظون إلا بعض السور القصيرة التي يقرؤونها في الصلاة ، لأنه لم تكن عندهم البيئة المناسبة للحفظ حيث كانوا يعيشون في العاصمة التي كانت بعيدة عن حلقات القرآن . تعجب عبد الله من أن التطور و التقدم أنسانا القرآن و أبعدنا عن ديننا . انسجم عبد الله مع بيئة المدرسة ، فقرر أن يستغل الوقت في المراجعة ، ففي بداية الأسبوع الثاني ، ذهب عبد الله إلى مسجد المدرسة و اتخذ منه مكانا للمراجعة في وقت الاستراحة . مرت ثلاثة أيام و محمد مستمر في المراجعة ، ولكن صديقاه حسام و وليد تعجبوا من عدم رؤيته في وقت الاستراحة خلال الثلاثة أيام الماضية ، فقرروا البحث عنه ، فذهبوا شرقا و غربا و لكنهم لم يجدوه ، و عند مرورهم بجانب مسجد المدرسة ، سمعوا صوتا جميلا نديا ، يتغنى يتلك الكلمات العطرة ، كلمات القرآن الكريم . دخلوا إلى المسجد بمهل ، و إذ به عبد الله جالس وبيده القرآن ، يتلوه بخشوع و خضوع . رأى عبد الله حسام و وليد على باب المسجد ، فدعاهم إلى الجلوس ، فجلسوا . قال حسام لعبد الله : صوتك جميل ما شاء الله و قراءتك رائعة . و أكمل وليد : لقد أطربت أذاننا و أثرت في نفوسنا . قال عبد الله لهما : بما أنكم هنا ما رأيكم بأن نقرأ القرآن في حلقة ؟ أعجبت حسام و وليد الفكرة ، وبعد أن فرغوا من القراءة وحان وقت الحصة الدراسية ، اقترح حسام و وليد على عبد الله أن يكونوا معه في كل استراحة ليحفظوا معه القرآن ، فوافق عبد الله في الحال و كانت الابتسامة قد رسمت على وجهه . هذه هي الصحبة الطيبة التي تعين على الخير ، فهاهم أبطال قصتنا في متابعة متواصلة لكتاب الله ، فعلى يد تلميذ الأمس ، أستاذ اليوم عبد الله ، حفظ الفتيان الثلاثة خمسة أجزاء جدد في الفصل الأول من العام الدراسي ، الذي انتهى و انتهى معه عمل أبو عبد الله في السفارة الذي استقال وقرر أن يعود إلى وطنه وعمله السابق . ودع عبد الله صديقاه حسام و وليد و أعطاهم نسخة من خطة المراجعة التي وضعها الشيخ محمد . و هاهم عائلة عبد الله تعود إلى الديار و إلى الحي ، استقبلهم سكان الحي أحسن استقبال ، وتنور الحي بقدومهم ، التقى عبد الله أصحابه و التقى الشيخ محمد و قبله على رأسه ، و حكى له حكايته أثناء سفره ، فقال الشيخ محمد : يا بني ،، صاحب القرآن يجب أن يكون قدوة الناس أينما رحل ، وأنت يا بني حفظت الأمانة فأكرمك الله . ها هي السنوات تمضي وها هو اليوم الذي ختم فيه عبد الله القرآن ، فقد فرح جميع من في الحي و أقاموا المآدب لهذه المناسبة . لم ينس فتى الأمس ، رجل اليوم أيامه الخوالي في الحي ، ولم ينس صديقاه حسام و وليد ، فقد كان يراسلهما و يتصل لهما ، لم ينس الشيخ محمد الذي على يده حفظ عبد الله القرآن . عرف عبد الله أن المرء ما دام مصراً ليحقق هدفه ، فسيحققه مهما اشتدت المصائب و طالت الأيام ، فها هو حقق هدفه في حفظ القرآن الكريم ، فاستفاد من هذه المسيرة القرآنية أنه مهما طالت المسافات أو بعدت ، لن يبعد صاحب القرآن عن كتاب الله . | |
|