بسم الله الرحمن الرحيم
أتابع باهتمام ما يدور حولي من حراك وعراك حول المرأة وقضاياها ، من ريادة وقيادة وسيادة وإشادة ، بكل ما يعلي شأنها ويرفع قدرها ، وكل ما ترفع قضية تطرح أخرى ، في سباق محموم وتحدي غير مسبوق ، وترقب لانفجار موقوت ..
وتفاعلاً مع القضية ، وبياناً للموقف ، ونصحاً لجميع الأطراف ، أوجه هذه الرسائل
الرسالة الأولي : لمن لا يعرفها – المرأة – ويظلمها :
المرأة المسلمة قائدة لا منقادة ، رائدة لا منساقة ، شامخة لا منحنية ، عزيزة لا ذليلة ، قوية لا مستضعفة .
المسلمة قائدة : تقود أمة ، وتلد أمة ، وتربي أمة ، فهي أمة بأكملها ، خلد التاريخ اسمها ، ورفع ذكرها ، وعظّم شأنها . فلم ينس التاريخ عائشة رضي الله عنها ، رغم بُعد الفترة ، وطول الحقبة ، وقد ولد بعدها أمة من النساء ، ولكنها القائدة التي زاحمت الرجال بعلمها وفقهها ، لا بسيارتها ومقودها ، بل فاقتهم فما أشكل عليهم أمراً إلا رجعوا إليها . فكانت بحق قائدة رائدة ، ولم تقد يوماً سيارة ولا دابة ، فتلك هي القيادة الحقيقة والريادة المشرٍفة .
والمسلمة شامخة بحجابها ، مطيعة لخالقها ، مضيئة بعفافها ، مشرقة بحيائها ، لا تخضع للشرق ولا للغرب ، أصيلة غير مقلدة ، وصافية غير ملوثة الفكر باتفاقيات هدامة ولا دعوات مشبوهة .
والمسلمة عزيزة بإسلامها ، فخورة ببنات جنسها ، لا تذل نفسها لغريب ، ولا تدنس عرضها بمريب ، كماء عذب لا تلج فيه كلاب ضالة ، وكغيث طهور لأرض مباركة .
والمرأة المسلمة قوية ، تستمد قوتها من وحي ربها ، وصفاء عقيدتها ، وتميز وطنها ، كنخلة باسقة لا تضعفها الرياح العاتية ، ولا تنالها السهام الطائشة ، ضرب الله بها مثلاً ، وبنى لها في الجنة بيتاً ، وأنزل فيها قرآناً يتلى ، فأكرمها ونعمها ، وأحياها فأحيا ذكرها .
الرسالة الثانية : إلى من عرفها ولم ينصفها :
المرأة المسلمة هي من كانت لك أماً ، حملتك أشهراً ، ورعتك سنيناً ، وخدمتك عمراً ، ربتك على الفضيلة والغيرة ، وأرضعتك الشهامة والنخوة ، وأوصتك بجارتك – فضلاً عن أختك – خيراً ، وعلمتك دهراً أن لا ترضى لجارتك أو قريبتك أن تقف في الشارع برهة ، بل ردها لبيتها واقض لها الحاجة ، وأسعف لها مريضها ورد لها ضالتها ، بل قالت لك يوماً يا ولدي : الحرة العفيفة لا تخرج من بيتها إلا لضرورة أو لحاجة ملجئة ، إن غاب زوجها ، فالكل أهلها ، وإن مرض ولدها فالطبيب أسرع لها ، ما احتاجت يوماً أن تستأجر سيارة مع غريب ، فضلاً عن أن تفكر أن تجلس يوماً خلف مقود مريب . بل أذكر يا ولدي أن والدي كان مسفاراً رحالاً ، لا يكاد يقر له قرار ، طلباً للعيش وسعياً وراء الرزق ، فلم تغادر أمي بيتها لشراء حاجة ، ولم تذهب حتى للمشفى للولادة ، فالجيران الأكارم هم من يطبخ لها فيطعمها ، ويرسل لها بناتهم ليلاً لمؤانستها ، حتى الطبيبة في بيتها ولدتها ...
الله أكبر !! هذه والله حياة المنعمين المترفين كالملوك على الأسرة ..
فما بالها اليوم تشقى فلا أحد يسعدها ، وتكدح فلا أحد يغنيها ، يُزج بها في الشوارع والطرقات ، تتسول على قارعة الطريق فلا أحد يرحمها .
والأدهى والأمر يريدونها اليوم تقود سيارة ، لتقود خلفها أعباءً ينوء كاهلها عن حملها ، وأثقالاً تكسر قواريرها ، ومسئوليات تخفف الرجال منها .
ظلموها فقالوا لها : أنت أمة يقودك علج يخلو بك كحليلة !!
ولو أنصفوها لقالوا لها : أنت ملكة ونساء الملوك مغيبات مكنونات كالدر ، لا تراهن عين حاسد ، ولا تنالهن يد لامس .
ظلموها فقالوا لها : أنت سجينة ، حبسوك بغطاء ونقاب ، فمنعوا عنك هواء الحرية ، فالهواء عليل ، والكون بديع ، والله جميل ، فاستمتعي واستنشقي عبير الحرية .
ولو أنصفوها لقالوا لها : أنت حرة أبية ، والحرائر متلفعات بمروطهن ، لا يعرفهن فاجر فيؤذيهن ، ولا يخالطهن فاسق فيفسدهن .
الرسالة الثالثة : إلى من أهتم بأمرها ونادى بحقها :
المرأة المسلمة لا تبحث عن حق مسلوب ، ولا تنادي بواجب متروك ، ولا تطالب بقضية منسية ، بل لها حق ثابت مشروع منذ قرون ، لم يثبت بمؤتمرات واتفاقيات ، بل في كتاب منزل وسنة متبعة ، ولها واجب مؤكد ، لا يسقط بعمل الكاشيرة ولا بقيادة السيارة ، فعليكم نفقتها ومسئوليتكم حمايتها ورعايتها ، فلا تطلقوا حبل الأمانة ، ولا تنفضوا يد الولاية ، فأموالكم في المصارف محفوظة ، ونساؤكم في الأسواق والمطاعم والمنتزهات منتشرة ، فلا يكن مالكم أحبُّ إليكم من عرضكم !! ونساؤكم أهونُ عندكم من خدمكم !! .
ولا تجعلوها قضية تخطب في كل محفل ، وراية ترفع في كل معركة ، فالقضية الأهم حفظ الأرض من قطاع الطرق ، وصون البيت من اللصوص ، فحين تُسرق الأرض وتُغتصب ، وتُسرق البيوت وتُستباح ، تصادر القضية وتسجل ضد مجهول ، وتسقط الراية فنخسر المعركة ، حين لم نوفق لحماية الأصل والأساس ، فقدنا الهوية والصورة .
الرسالة الرابعة : إلى من يحترق لأجلها وينافح دونها ويتكلم بصوتها :
المرأة المسلمة لكم محبة وفية ، ولعرضكم حامية ، ولمالكم حافظة ، ولأبنائكم مربية فاضلة ، فلن تندم يوماً على حرقتك لأجلها ، فهي كالبرد يطفئ حرك ، وكالغيث يغسل درنك ، كالماء البارد على الظمأ ، يروي عطشك ويثلج صدرك .
ولن ترجع يوماً عن التكلم بصوتها ، فهي إن نطقت صدّقتك ، وإن سكتت أقرتك ، وإن كتبت إيدتك ، فلا يغرك صمتها ، فأذنها صماتها ، ولا يحزنك بُعدها ، فبيتها خيرٌ لها .
ولا تقف يوماً عن الدفاع عنها والمنافحة دونها ، فإنما تنصرون بضعفائكم ، وترزقون بنياتكم ، وتفلحون بهمتكم واهتماماتكم . فإنها لا تزال لك داعية ، ومعك مؤيدة منصورة ، وبك فخورة معجبة ، وإليك منصتة مقرة ، ومنك مخلوقة مطيعة ، وبدونك فريسة سهلة وصيد ثمين .
فيا أهل الغيرة : شدوا أيديكم فوقها ، وأحكموا القبضة حولها ، واربطوا وثاقها ، فهي بكم معتصمة وبجواركم محتمية ، وبحبلكم متمسكة ، فلا تطلقوا القيد فينقطع الحبل ، وينطلق السهم كالرمية ، فيصعب العَود ويكسر القيد .
الرسالة الخامسة : وأخيراً رسالتي إليك يا معنية بالخطاب ويا صاحبة القضية :
يا من عرفوك ولم ينصفوك ، ويا من لم يعرفوك فظلموك ، ويا من نادوا بحقوقك واهتموا بأمرك ، ويا من احترقوا لأجلك ليضيئوا لك الطريق ، وتكلموا بصوتك فأرشدوك وبصّروك ، ونافحوا عنك ليحفظوك ويحموك ، إليك أوجه كلماتي :
لقد أخرجوك من بيتك لتتعلمي ، فأحسنوا بك صنعاً ، فعلمت وعرفت وتبصرت .
ثم أخرجوك لتعملي ، فأسدوا لك معروفاً ، عملت فرُزقت ، ونعمت فتنعمت .
ثم خدعوك فقالوا : التعليم مهنة مملة ، وسياسية الفصل والعزل سياسة مضلة ، ولابد من الانطلاق في كل مجال ، والاختلاط بكل الرجال ، بالحجاب والعفاف ، وبدون خلوة وانفراد .
ثم خدعوك فقالوا : النقاب عادة لا عبادة ، وكشف الوجه له أدلة وليس بدعة ، فأزلت الغطاء بدليل ومرجعية ، وخالطت الرجال بحرية وحيوية ..
ثم خدعوك فقالوا : لقد أضعت مالك في سيارات الأجرة ، وأذهبت حياءك في الخلوة ، فلا حل لك إلا بالقيادة ولا عفة إلا بالسواقة .
وكأني بك وبهم لا يقف أمرهم وأمرك خلف مقود السيارة ، ولا يشبع نظرهم كشف الوجه والكفين ، بل لن تكوني أفضل حالاً من أختك في البلدان الخليجية والعربية المجاورة ، من سوء حال ، وضياع هوية ، وسقوط في الرذيلة ، فإذا فقد الحياء حل الشر ، فالحياء لا يأتي إلا بخير . فقد رأيتهن في تلك البلاد بلباس الكافرات ، وسيما النادلات ، وحياة البائسات ، لا يعرفن معروفاً ولا ينكرن منكراً ، لا يفقهن من الصلاة إلا اسمها ، ومن الدين إلا رسمه ووصفه ، فكيف وصلن لهذا الحال ؟!!
إنها خطوات شيطانية ، وتنازلات وتسهيلات ، ترخصن فتخففن ، وتميعن فانصهرن ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها كما حدثنا الصادق المصدوق وما كذب
شهادة حق :
فإليك أقص هذه الرواية والشهادة ، وأسوق لك المعاناة والمكابدة :
ففي بلد عربي مجاور ، تأملت حال أخواتنا المجاهدات في زمن الفتن ، والمصارعات لطوفان التغيير والتطور ، ركبن الموجة مضطرين ، وقدن السيارة مكرهين ، لظروف قاهرة ، وحاجة ملجئة ، يظنهن الرائي سعيدات طليقات ، قائدات ماهرات ، حتى جلست مع إحداهن يوماً ، وكانت أستاذة جامعية ، وسليلة أسرة ثرية ، في لحظة صفاء وصدق ، انفجرت باكية ، تذكر أيامها الخالية ، وتحكي عن فارسها الذي ترجل عن فرسه لتركبه ، لتواجه بعده أعباء الحياة ، وصعوبات الترجل والقيادة ، فقد رحل وترك لها أبناء صغار ، وكانت في حياته مكرمة منعمة مدللة ، لا تحمل هماً لقضية ولا تحتاج لعمل أو لشراء لقمة هنية ، فالفارس حمل الهمّ وتكفل بالقضية ، وإذ بها اليوم تشقى لتسعد أبناءها ، وتكدح ليعيشوا عيش السعداء ، فلم يُغنها ثراء أهلها ، ولم يشفع لها وفرة محارمها ، في بلد زج بالمرأة في ميادين العمل المختلط ثم لم يرحمها ، وسلمها مقود السيارة وجنى عليها ، ثم ألقى بالتبعة على كاهلها . وقد قالت لي بصريح عبارتها :
إني أوصي طالباتي في الجامعة ، بأن لا يقدن السيارة ، فهي ليست كرامة بل ذل ومهانة .. وإنني قد أخرج يوماً من عملي مرهقة متعبة ، فأتمنى من يحملني إلى البيت فلا مناص إلا أقودها منهكة مكرهة .
فهل تعي المرأة هذا الكلام من مجربة !!
إذا قادت المرأة السيارة فقدت إي عون لها من قريب أو بعيد ..
إذا قادت المرأة السيارة فلا راحة بعدها ولا سكن ولا طمأنينة ..
إذا قادت المرأة السيارة صعب قيادها وانفلت عقالها ....
إذا قادت المرأة السيارة ذهب حياؤها وعلا صوتها وضاق خلقها ..
إذا قادت المرأة السيارة دخلت من بوابة السباق والتحدي وخرجت من قرار البيت والسكن الأسري ..
إذا قادت المرأة السيارة كثُر مطاردوها وقلّ طالبوها وزهد فيها مبتغوها ..
فاللهم بصّرنا بما ينفعنا ، وثبتنا إذا فتنا ، وألهمنا رشدنا إذا اشتد الخطب ، وسلّمنا وسلّم ديننا ووطنا وأهلنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
منقول للفـــــــــــــــــــائدة...